احتفالية الإزهار: مهرجان الورد في قلعة مكونة، المغرب

تشهد مدينة قلعة مكونة، الواقعة في وادي الورود جنوب المغرب، كل عام مهرجانًا عطريًا نابضًا بالحياة يُعرف باسم مهرجان الورد.

4/7/2025

تشهد مدينة قلعة مكونة، الواقعة في وادي الورود جنوب المغرب، كل عام مهرجانًا عطريًا نابضًا بالحياة يُعرف باسم مهرجان الورد، أو "موسم الورود". يُقام هذا الاحتفال السنوي عادةً في شهر مايو (حسب موسم حصاد الورد)، ويُمثل ذروة حصاد الورد المُضني في المنطقة، ويُجسد التراث الثقافي الغني المُتشابك مع وردة دمشق الشهيرة.

يُعد وادي الورود، الممتد على طول نهر دادس، واحة خضراء تشتهر بشجيرات الورد المترامية الأطراف. على مر الأجيال، دأبت المجتمعات البربرية التي تسكن هذه المنطقة على زراعة هذه الزهور الرقيقة، حيث تقطفون بتلاتها بعناية فائقة عند الفجر، حين تكون رائحتها في أوج تألقها. يُعدّ الحصاد شأنًا مجتمعيًا، تشارك فيه عائلات بأكملها تُكرّس أسابيع لهذا العمل الدؤوب. الورود ليست مجرد محصول جميل؛ بل هي شريان حياة، تُوفّر مصدر دخل، وتُشكّل أساسًا لصناعة عطور ومستحضرات تجميل مزدهرة

مهرجان الورد ليس مجرد معرض تجاري؛ إنه احتفالٌ بهيج بهذه الزهرة الثمينة والتقاليد التي تُحافظ عليها. تُمثّل الاحتفالات مزيجًا آسرًا من المواكب الدينية، والموسيقى والرقص التقليديين، وعرضًا نابضًا بالحياة للحرف اليدوية المحلية. تُزيّن الشوارع بتلات الورد، واللافتات، والسجاد الملون. يرتدي السكان المحليون أرقى ملابسهم التقليدية، وغالبًا ما ترتدي النساء قفطانات مطرزة بإتقان ومجوهرات براقة، تُضفي على هذا المشهد ألوانًا مُتنوعة.

يُشكّل اختيار "ملكة الورد" جوهر المهرجان. تتنافس فتيات القرى المجاورة على هذا اللقب المرموق، ليس فقط لجمالهن، بل أيضاً لمعرفتهن بتقاليد المنطقة وقدرتهنّ على تجسيد روح مهرجان الورد. تتضمن عملية الاختيار استعراضاً للمهارات التقليدية، وفهماً لتاريخ المنطقة، وشخصية جذابة. وتعمل ملكة الورد المُتوّجة حديثاً سفيرةً لوادي الورد، مروجةً لتراثه الثقافي وأهميته الزراعية على مدار العام.

يعبق الهواء خلال المهرجان برائحة الورد الآسرة. تصطف الأكشاك على جانبي الشوارع، زاخرةً بمنتجات الورد: ماء الورد، وزيت الورد، ومربى الورد، وعطر الورد، وصابون الورد، ومجموعة كبيرة من إبداعات التجميل والطهي الأخرى. يمكن للزوار مشاهدة الطرق التقليدية لاستخراج ماء الورد وزيته، وهي عملية متوارثة عبر الأجيال. تحظى هذه المنتجات المنتجة محلياً بإقبال كبير، سواءً داخل المغرب أو على الصعيد الدولي، نظراً لجودتها ونقائها.

تُعدّ الموسيقى والرقص التقليديان جزءاً لا يتجزأ من مهرجان الورد. تؤدي مجموعات من قرى بربرية مختلفة عروضًا حيوية، غالبًا ما تكون مصحوبة بإيقاعات الطبول والألحان المؤثرة التي تُعزف على الآلات التقليدية. تروي هذه الرقصات، الغنية بالرمزية والتاريخ، قصصًا من ماضي المنطقة وتحتفل بجمال حصاد الورد. تُقدم هذه العروض لمحة عن الهوية الثقافية للشعب البربري، مُبرزةً تراثهم وتقاليدهم الفريدة.

إلى جانب الجمال والاحتفال، يُعد مهرجان الورد أيضًا فرصةً لازدهار الاقتصاد المحلي. يتوافد السياح إلى قلعة مكونة من جميع أنحاء العالم، مما يُضخّ إيراداتٍ هي في أمسّ الحاجة إليها في المنطقة. تمتلئ الفنادق وبيوت الضيافة بسرعة، وتستفيد الشركات المحلية من الطلب المتزايد على أماكن الإقامة والطعام والهدايا التذكارية. كما يُمثّل المهرجان منصةً لتعزيز ممارسات السياحة المستدامة ودعم المجتمعات المحلية.

في الختام، يُعدّ مهرجان الورد في قلعة مكونة تجربةً ساحرةً بحق. إنه احتفالٌ بالجمال والتقاليد والرابط الدائم بين الشعب والأرض. يُتيح فرصةً فريدةً للانغماس في ثقافة المجتمعات الأمازيغية النابضة بالحياة، والتعرف على إرث وردة دمشق الخالدة في قلب المغرب. يمتزج عبير الورود، وإيقاع الموسيقى، ودفء أهلها، ليخلقوا وليمةً حسيةً لا تُنسى. إنه مهرجانٌ يبقى في الذاكرة طويلاً حتى بعد سقوط آخر بتلة.